العام الميلادى الجديد

ظاهرة الاحتفال بالعام الميلادي الجديد, أمست واحدة من ابرز معالم العصر الحديث, ورغم إنها في الظاهر, تشير إلى الإعلان عن حالة الابتهاج لمقدم عام جديد, إلا أنها في حقيقة الأمر تؤدي دائما إلى عشرات بل مئات الضحايا في مختلف أنحاء العالم, بسبب تقاليد الاحتفال, ومن اشهرها إطلاق الألعاب النارية والمفرقعات, كما إن نسبة غير قليلة من هؤلاء الضحايا يلقون حتفهم بسبب تناولهم الخمور وما يؤدي إليه السكر من شجار وحوادث قتل وغيرها.وبالإضافة إلى ذلك فان, التقارير تؤكد صرف مليارات الدولار على شراء الألعاب النارية, وبالتالي هدر تلك الأموال إلى لهو محفوف بالمخاطر, ولهو لا تمتد نشوته إلا للحظات قليلة تنتهي بسرعة البرق الذي تخلفه المواد المتفجرة في الألعاب النارية, ومثل هذه المليارات لو يتم توجيهها للصرف في أماكنها الحقيقية حيث الحرمان والفقر والحاجة تعصف بمئات الملايين من البشر, ويموت الملايين بسبب الفقر والمجاعة وشحة الغذاء والدواء, بل إن هذه الأموال لو يتم صرفها في العام الواحد على اخطر الظواهر التي تهدد البشرية من الأمراض والأزمات, مثل مرض الإيدز, لكان بالإمكان القضاء عليها بدل أن تحصد أرواح البشر المصابين والمعانين منها, ولامكن سد حاجات الكثير من المرافق الخدمية في مختلف المجالات ولامكن رفد البطون الطاوية جوعا بما يديم أودها, وعلاج الأبدان التي سطا عليها المرض حتى هزلت وعانقت الاحتضار كل ساعة.إن هذه المليارات لوحدها لو صرفت في مجالاتها الحقيقية ولامكن إنشاء مستشفى في كل مدينة من مدن أسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية, بدل أن تحرق هذه المليارات في الهواء لمجرد الانتشاء الكاذب برؤية ألوان اللهب وأشكاله المختلفة في السماء.وبخلاف ذلك فان لهذه الظاهرة أثارها السلبية فيما يتعلق بالبيئة, وتزيد من أثار التلوث كما أن مصانع الألعاب النارية التي تعتمد على معالجة البارود ومواد حارقة أخرى, تضيف أعباءا على هذه البيئة المنهوكة بأنانية وحمق الإنسان المادي الذي يعتبر الأرض ملك ساعاته وسنين عمره ولا يعط أدنى اهتمام للأجيال المقبلة, وهذا الجانب لوحده يعطيه الشارع المقدس اهتماما كبيرا للغاية تصل إلى حرمة كثير من هذه الممارسات التي تتصف بالأنانية وعدم التفكير بالأجيال المقبلة, مثل هدر المياه وتلويث البيئة, وإنتاج النفط على حساب حصة الأجيال المقبلة, انظر, كتاب, الفقه البيئة للإمام الراحل المرجع الشيرازي وكتيبه القيم (الذرات والقطرات).وعودة لموضوعنا, تقول الإحصائيات إن النرويج لوحدها التي يبلغ عدد سكانها أربعة ملايين ونصف, تنفق في شراء الألعاب النارية, ما مقداره مائتي وخمسين مليون كرونة في دقائق معدودة ليلة الاحتفال بأعياد راس السنة, والسويد تنفق ثلاثة مائة مليون كرونة, بخلاف ما تنفقه بقية دول أوروبا وأمريكا الشمالية والجنوبية ودول أسيا. وفي بعض مسلسل حوادث الاحتفالات بحلول العام الميلادي الجديد جاء ما يلي:لقي تسعة أشخاص على الأقل مصرعهم في هجمات بالقنابل اليدوية أثناء احتفالات العام الميلادي الجديد في الفلبين. وقالت الشرطة ومسؤولون فلبينيون إن أكثر من 400 آخرين أصيبوا بجروح في حوادث منفصلة بينهم من أصيب بسبب الألعاب النارية.ففي جنوب الفلبين ألقى رجل مجهول قنبلة يدوية على شارع مزدحم ببائعي الألعاب النارية مما أسفر عن مقتل تسعة على الأقل وإصابة أكثر من 30 آخرين.وقد وضعت قوات الأمن في جميع أنحاء الفلبين في حالة تأهب قصوى بمناسبة الاحتفالات بالسنة الجديدة خشية هجمات قد تشنها الجماعات الإسلامية واليسارية التي رفضت إعلانا بوقف إطلاق النار نفذته الحكومة من جانب واحد حتى انتهاء الاحتفالات.ومن جهتها قالت وزارة الصحة الفلبينية إنه ومنذ يوم أمس أصيب 380 شخصا في حوادث متعلقة بالألعاب النارية، في حين أصيب 17 آخرون برصاصات طائشة أطلقت احتفالا بالمناسبة في أنحاء متفرقة من البلاد.وكان 524 شخصا أصيبوا بسبب الألعاب النارية و29 آخرون بطلقات نارية في احتفالات رأس السنة الماضية، إلا أنه لم تسجل أي حوادث قتل أثناء تلك الاحتفالات.وقد حاولت الشرطة هذا العام أن تحصر أماكن استخدام الألعاب النارية لتقليص حجم الإصابات بين المواطنين إلى أدنى حد، كما حظرت عددا من الألعاب النارية الشديدة الانفجار.وعزا الوزير الفلبيني أسباب انخفاض عدد القتلى والمصابين في هذه الاحتفالات إلى حملة التوعية ونشر أعداد كبيرة من قوات الأمن والكساد الاقتصادي الذي يعصف بالبلاد والذي أجبر العديد من الفلبينيين على التخلي عن شراء الألعاب النارية.ويستقبل الفلبينيون العام الجديد بالألعاب النارية وإشعال النيران في الشوارع والطرق وإطلاق الأعيرة النارية في الهواء وقد أدت تلك الحوادث في الأعوام الماضية إلى مقتل وإصابة المئات. وعادة ما يستيقظ الفلبينيون في اليوم الأول من العام الجديد ليجدوا الجو ملبدا بالدخان الكثيف من جراء النيران والألعاب النارية، وهو ما لم يجدوه هذا العام.وكانت احتفالات أعياد راس السنة في العام الماضي قد أدت إلى مقتل نحو مائتي شخص ، وإصابة 1200 بجروح، أثناء احتفالات دول أميركا اللاتينية لوحدها بالعام الجديد. وقالت تقارير إعلامية وطبية إن عمليات إطلاق المفرقعات النارية وعمليات سطو وحوادث واغتيالات وأعمال عنف, تمت في ظل الاحتفالات بالعام الجديد التي وفرت مناخات مناسبة لتلك العمليات. كما وقع انفجار في سوق تباع فيه الألعاب النارية في المكسيك أدى إلى مصرع أكثر 18 شخصا وإصابة أكثر من 50 آخرين.وقال رئيس بلدية فيراكروز خوسيه غوتييريز إن معظم الجرحى أصيبوا باختناق من جراء استنشاق الدخان وهم يعالجون حاليا في أحد المستشفيات القريبة، مضيفا أن مئات من رجال الإطفاء وعناصر الدفاع المدني شاركوا في السيطرة على الحريق.وأوضح أن الانفجار وقع في سوق تباع فيه منتجات كالبارود المستخدم في أعياد آخر العام، مشيرا إلى أن السلطات حاولت قبل أسبوع ضبط العبوات المتفجرة المصنوعة من البارود التي يبيعها تجار هذا الحي, لكنهم رفضوا.وأكد غوتييريز أن التجار (كانوا يقولون إننا نسلبهم حقوقهم، وقد اعتدوا على رجال الشرطة بالعصي والحجارة ولم تتم عملية المصادرة). وأضاف (هذه ليست المرة الأولى التي يحدث فيها هذا في المكسيك أو في فيراكروز.. إننا جميعا مسؤولون وليكن هذا الانفجار عبرة للجميع).يشار إلى أن حوادث الألعاب النارية في المصانع والمخازن والمتاجر شائعة في المكسيك حيث تكثر عروض هذه الألعاب طوال العام خاصة في العطلات المهمة والاحتفالات الدينية .ويندر أن تنجو مدينة من هذه المدن الأوروبية والأمريكية والآسيوية, من حوادث قتل أو حروق لأفراد ولمنازل بسب هذه الألعاب النارية.وكانت تقارير العام المنصرم قد أشارت إلى أن عدد ضحايا الاحتفالات بالعام الميلادي الماضي زادت على مائتي شخص، وأصيب 1200 بجروح، أثناء احتفالات دول أميركا اللاتينية لوحدها بالعام الجديد. وقالت تقارير إعلامية وطبية إن عمليات سطو وحوادث واغتيالات وأعمال عنف مختلفة شهدها العام الجديد، وأفضت إلى سقوط هذا العدد الكبير من الضحايا.وتصدرت كولومبيا قائمة الدول حسب أعداد الضحايا، فقد لقي 116 شخصا مصرعهم يومي الأحد والاثنين الماضيين، بينهم 15 شخصا راحوا ضحية أعمال اغتيال، بينما قتل البقية في حوادث طرق ومشاجرات واعتداءات مختلفة بالأسلحة.وفى الباراغواي قتل 33 شخصا معظمهم في جرائم قتل، واستقبلت المستشفيات 300 جريح، معظمهم أصيبوا بالسلاح الأبيض أو بحروق. وفي الهندوراس أودت هجمات بالأسلحة النارية بحياة غالبية الضحايا الذين بلغ عددهم 23 شخصا. وفي كوستاريكا قتل 23 شخصا في الاحتفالات بالسنة الجديدة وفق مصادر الصليب الأحمر. وقتل ستة أشخاص، وأصيب 55 بجروح، غالبيتهم في حوادث عنف شهدتها الإكوادور، بينما سجلت ست جرائم قتل في المكسيك، وأصيب ثلاثون بجروح.وفي بيرو سقط خمسة قتلى وأصيب خمسون بجروح، وجاءت البرازيل في آخر القائمة، إذ اقتصرت خسائرها في الاحتفالات على إصابة 39 شخصا وصلوا إلى المستشفيات لتلقي العلاج نتيجة إصابتهم بحروق سببتها المفرقعات. وفى التشيلي قتل ثلاثة أشخاص بسبب المفرقعات بينما قالت الشرطة في الأرجنتين إن 300 شخص أصيبوا بجروح في حوادث متفرقة أثناء احتفالات رأس السنة الميلادية الجديدة.إن هذه هي واحدة من الظواهر الخطيرة في عصرنا الراهن, حيث يكون محور الحدث مرتكزا على الاستمتاع الكاذب بفرحة حلول العام الجديد بهدر مليارات الدولارات وموت العشرات وجرح الآلاف, في الوقت الذي تحتاج البشرية في معظم أنحاء العالم ولاسيما في أفريقيا واسيا وأمريكا الجنوبية إلى كسرة الخبز والدواء وإلى بقية أنواع الخدمات الصحية والاجتماعية..!!إذن أليس هذا أمر محزن ويدعو للأسى ويظهر مقدار تردي اهتمامات هذا العالم الذي يخسر كل يوما الكثير من الجوانب الروحية والاهتمامات الانسانية على حساب لذة كاذبة في الاستمتاع بوميض لهب وبارود يختفي في السماء بسرعة الضوء ..؟؟!!نعم إن العالم بحاجة إلى عودة حقيقية للرسالة الإنسانية التي كلفها بها الباري عز وجل, في أعمار الأرض وخدمة الآخرين ونكران اللذة الكاذبة والبحث عن اللحظة الصادقة الواعية الهادفة.